مكتب منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا

مساعد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة

مسار للقضاء على الجوع وسوء التغذية في المنطقة العربية: هل يمكن للتمويل المبتكر والاستراتيجي تسريع تحويل النظم الغذائية والزراعية؟

توزيع البذور الحيوية في القضارف، السودان.

©FAO/Mahmoud Shamoruk

عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد والممثل الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة للشرق الأدنى وشمال أفريقيا - 18/12/2024

يكشف عام 2023 عن واقع مؤلم في المنطقة العربية: فقد وصل عدد من يعانون من الجوع إلى 66.1 مليون نسمة، أي ما يعادل 14 في المائة من سكان المنطقة.

وتزداد هذه الصورة قتامة حين نجد أن قرابة 186.5 مليون شخص - أي نحو 39.4 في المائة من سكان المنطقة - يكافحون للحصول على غذائهم اليومي، بينما يواجه 72.7 مليون منهم (15.4 في المائة) صعوبات حادة في تأمين قوت يومهم. هذه الأرقام المقلقة تمثل قفزة ملحوظة عما شهدناه في العام السابق.

والأصعب من ذلك أن المؤشرات تنذر بالمزيد من التدهور في الأمن الغذائي والتغذوي، مع استمرار النزاعات في غزة والسودان ولبنان والجمهورية العربية السورية، وتفاقم موجات الجفاف التي تضرب مناطق شاسعة من إقليمنا.

ولم تقتصر التحديات على ذلك، فما زالت معدلات انتشار الهزال وزيادة الوزن بين الأطفال، والسمنة بين البالغين تدق ناقوس الخطر. ويضاف إلى هذا المشهد المعقد الارتفاع الكبير في تكلفة الغذاء الصحي، الذي بات يتجاوز قدرة ثلث سكان المنطقة في عام 2022.

ويعكس تفاقم أزمتي نقص التغذية وسوء التغذية عمق التحديات التي تواجه منطقتنا: من نزاعات متصاعدة، وتقلبات مناخية حادة، وتباطؤ اقتصادي، وفجوات اجتماعية آخذة في الاتساع. هذه العوامل، التي باتت تضرب بقوة وبشكل متزامن، دفعت أعداد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات غير مسبوقة. وللأسف، يبدو الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة - القضاء على الجوع وسوء التغذية - أبعد مما كان عليه من قبل.

ولمواجهة هذه الأزمة المتشعبة، بات التحول الشامل في منظومتنا الغذائية والزراعية ضرورة ملحة. تحولٌ يهدف إلى تحسين الأمن الغذائي والتغذوي، وتعزيز سبل العيش، وحماية بيئتنا. ويشكل التمويل المدروس والمتزايد حجر الزاوية في هذا التحول المنشود.

ويأتي تقرير "نظرة إقليمية حول حالة الأمن الغذائي والتغذية في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا 2024" ليؤكد الحاجة الملحة لاستثمار أمثل للموارد العامة المتاحة، مع ضخ تمويل إضافي لتحسين الأمن الغذائي والتغذوي وإحداث نقلة نوعية في نظمنا الغذائية والزراعية.

ويكتسب هذا التمويل أهمية إضافية في دعم تنفيذ اتفاقية باريس التي تم تبنيها في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي عام 2015. فإعادة توجيه الدعم العام وتدفقات التمويل الإضافية تشكل محركات رئيسية لهذا التحول، مع تعميم آثارها الإيجابية في المنظومات الغذائية والاجتماعية-الاقتصادية والبيئية.

كما يسلط التقرير الضوء على أدوات مالية مبتكرة يمكنها المساعدة في سد فجوة التمويل في المنطقة. وقد كشف تقرير الأمم المتحدة الأخير أن القطاع الزراعي في الدول العربية تلقى تمويلاً بقيمة 28.4 مليار دولار أمريكي في عام 2021، موزعاً بين الائتمان المصرفي، والإنفاق الحكومي، وتمويل التنمية. غير أن نظمنا الغذائية والزراعية العربية تحتاج إلى توجيه أفضل للموارد المالية المتاحة لتحقيق التحول المنشود.

وتبرز هنا أهمية إعادة توجيه آليات الدعم القائمة لخدمة تحول النظم الغذائية والزراعية بشكل فعال، مما يتيح استهلاك أغذية أكثر تغذية ويحافظ على مواردنا الطبيعية. ورغم أهمية إعادة توجيه الدعم العام، إلا أنه غير كافٍ بمفرده.

ويمكن للموارد العامة أو الخيرية أن تحفز تدفقات استثمارية خاصة إضافية نحو النظم الغذائية والزراعية من خلال آليات تمويل مبتكرة، وهو أمر حيوي لتلبية المتطلبات المالية الإضافية لتحول هذه النظم.

وتتنوع آليات التمويل المبتكرة لتشمل أدوات متعددة مثل الضمانات الرأسمالية، والتمويل القائم على النتائج، والتمويل المناخي، وتبادل الديون، والالتزامات السوقية المسبقة، إضافة إلى حاضنات الابتكار. كل هذه الأدوات يمكنها المساهمة في سد الفجوة التمويلية القائمة.

ولضمان نجاح هذه المقاربات، لا بد من تكييفها مع قدرة كل دولة على الوصول إلى التمويل، ومواءمة أهداف مختلف الأطراف المعنية لضمان عدم المساس بسلامة النظم الغذائية والزراعية.

كما يجب تهيئة البيئة التنظيمية لجذب رأس المال نحو وسائل التمويل المبتكرة، وهو ما قد يتطلب تحسينات في السياسات، مثل معالجة الثغرات التنظيمية القائمة، والتوافق مع المعايير الدولية، واستيعاب أنماط التمويل الجديدة.

إن تبني هذه المقاربات المبتكرة سيساعد في توفير موارد مالية إضافية نحتاج إليها بشدة لبناء نظم غذائية وزراعية قادرة على الصمود ومستدامة وشاملة في منطقتنا العربية. وهذا يتطلب جهداً منسقاً وجماعياً وتعاونياً يمكن لشركاء مثل منظمة الأغذية والزراعة تيسيره.

وتتماشى توصيات تقرير النظرة الإقليمية حول حالة الأمن الغذائي والتغذية في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا 2024 مع إطار "الفضائل الأربع " لمنظمة الأغذية والزراعة - إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل - مما يضمن استراتيجية شاملة لمكافحة الجوع وسوء التغذية، وبناء سبل عيش قادرة على الصمود، وضمان مستقبل مستدام لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.